سورة يوسف - تفسير تفسير ابن كثير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


{ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35)}
يقول تعالى: ثم ظهر لهم من المصلحة فيما رأوه أنهم يسجنونه إلى حين، أي: إلى مدة، وذلك بعدما عرفوا براءته، وظهرت الآيات- وهي الأدلة- على صدقه في عفته ونزاهته. فكأنهم- والله أعلم- إنما سجنوه لما شاع الحديث إيهاما أن هذا راودها عن نفسها، وأنهم سجنوه على ذلك. ولهذا لما طلبه الملك الكبير في آخر المدة، امتنع من الخروج حتى تتبين براءته مما نسب إليه من الخيانة، فلما تقرر ذلك خرج وهو نَقِيّ العرض، صلوات الله عليه وسلامه.
وذكر السُّدِّي: أنهم إنما سجنوه لئلا يشيع ما كان منها في حقه، ويبرأ عرضه فيفضحها.


{وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)}
قال قتادة: كان أحدهما ساقي الملك، والآخر خبازه.
قال محمد بن إسحاق: كان اسم الذي على الشراب نبوا، والآخر مجلث.
قال السدي: وكان سبب حبس الملك إياهما أنه توهم أنهما تمالآ على سمه في طعامه وشرابه.
وكان يوسف، عليه السلام، قد اشتهر في السجن بالجود والأمانة وصدق الحديث، وحسن السّمت وكثرة العبادة، صلوات الله عليه وسلامه، ومعرفة التعبير والإحسان إلى أهل السجن وعيادة مرضاهم والقيام بحقوقهم. ولما دخل هذان الفتيان إلى السجن، تآلفا به وأحباه حبا شديدا، وقالا له: والله لقد أحببناك حبا زائدا. قال بارك الله فيكما، إنه ما أحبني أحد إلا دخل عليّ من محبته ضرر، أحبتني عمتي فدخل علي الضرر بسببها، وأحبني أبي فأوذيت بسببه، وأحبتني امرأة العزيز فكذلك، فقالا والله ما نستطيع إلا ذلك، ثم إنهما رأيا مناما، فرأى الساقي أنه يعصر خمرا- يعني عنبا- وكذلك هي في قراءة عبد الله بن مسعود: {إني أراني أعصر عنبا}.
ورواه ابن أبي حاتم، عن أحمد بن سِنَان، عن يزيد بن هارون، عن شَرِيك، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، عن ابن مسعود: أنه قرأها: {أعصر عنبا}.
وقال الضحاك في قوله: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} يعني: عنبا. قال: وأهل عمان يسمُّون العنب خمرا.
وقال عكرمة: رأيت فيما يرى النائم أني غرست حَبَلة من عنب، فنبتت. فخرج فيه عناقيد، فعصرتهن ثم سقيتهن الملك. قال تمكث في السجن ثلاثة أيام، ثم تخرج فتسقيه خمرا.
وقال الآخر- وهو الخباز-: {إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}
والمشهور عند الأكثرين ما ذكرناه، وأنهما رأيا مناما وطلبا تعبيره.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن وَكِيع وابن حميد قالا حدثنا جرير، عن عمارة بن القعقاع، عن إبراهيم، عن عبد الله قال: ما رأى صاحبا يوسف شيئا، إنما كانا تحالما ليجربا عليه.


{قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (38)}
يخبرهما يوسف، عليه السلام، أنهما مهما رأيا في نومهما من حلم، فإنه عارف بتفسيره ويخبرهما بتأويله قبل وقوعه؛ ولهذا قال: {لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا}
قال مجاهد: يقول: {لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ} في نومكما {إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا} وكذا قال السدي.
وقال ابن أبي حاتم، رحمه الله: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا محمد بن العلاء، حدثنا محمد بن يزيد- شيخ له- حدثنا رشدين، عن الحسن بن ثوبان، عن عِكْرِمة، عن ابن عباس قال: ما أدري لعل يوسف، عليه السلام، كان يعتاف وهو كذلك، لأني أجد في كتاب الله حين قال للرجلين: {لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ} قال: إذا جاء الطعام حلوا أو مرا أعتاف عند ذلك. ثم قال ابن عباس: إنما علم فعلم. وهذا أثر غريب.
ثم قال: وهذا إنما هو من تعليم الله إياي؛ لأني اجتنبت ملة الكافرين بالله واليوم الآخر، فلا يرجون ثوابا ولا عقابا في المعاد. {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} يقول: هجرت طريق الكفر والشرك، وسلكت طريق هؤلاء المرسلين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وهكذا يكون حال من سلك طريق الهدى، واتبع المرسلين، وأعرض عن طريق الظالمين فإنه يهدي قلبه ويعلّمه ما لم يكن يعلمه، ويجعله إماما يقتدى به في الخير، وداعيا إلى سبيل الرشاد.
{مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ} هذا التوحيد- وهو الإقرار بأنه لا إله إلا هو وحده لا شريك له، {مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا} أي: أوحاه إلينا، وأمرنا به {وَعَلَى النَّاسِ} إذ جعلنا دعاة لهم إلى ذلك {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ} أي: لا يعرفون نعمة الله عليهم بإرسال الرسل إليهم، بل {بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهيم: 28].
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سِنَان، حدثنا أبو معاوية، حدثنا حجاج، عن عطاء، عن ابن عباس؛ أنه كان يجعل الجد أبا، ويقول: والله فمن شاء لاعناه عند الحجْر، ما ذكر الله جدا ولا جدة، قال الله تعالى- يعني إخبارا عن يوسف: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ}

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9